بقلم: د. محمد عيدروس باروم
باحث في الحوكمة والإدارة الوقفية
تمثل الأوقاف الإسلامية أحد أبرز الروافد الخيرية والتنموية في التاريخ الإسلامي، إلا أن العديد منها يواجه اليوم تحديات جوهرية تهدد استدامتها وتحرفها عن غاياتها الأصلية. ومن أبرز هذه التحديات:
كثيرًا ما تختلط أدوار القائمين على الأوقاف، حيث يجمع الواحد بين صفة الناظر أو الوكيل وبين مستفيد من غلة الوقف أو متعاقد معه. هذا التداخل يخلق بيئة خصبة لتعارض المصالح، ويناقض الأساس الشرعي والقانوني الذي يقضي بأن "الوكيل لا يجوز أن يتعامل مع نفسه". غياب الآليات الرقابية الفعالة يزيد من تفاقم هذه المشكلة، مما يفقد الوقف أحد أهم مقوماته: الثقة.
كثير من الأوقاف تعاني من جمود أموالها بسبب إهمال استثمارها أو توظيفها بشكل غير ملائم. بعض النظار يهملون فرصًا استثمارية واضحة، كترك مبالغ نزع الملكية دون استثمار لسنوات، أو عدم تجديد عقود الإيجار في وقتها، مما يتسبب في خسائر مالية كبيرة ويحرم المستحقين من موارد كان من الممكن أن تعزز ريع الوقف.
من المشاكل المتكررة تقصير النظار في حفظ وحماية عقارات الوقف وأصوله، سواء بعدم توثيقها بشكل قانوني أو إهمال صيانتها، مما يعرضها للضياع أو التلف. وهذا ليس إخلالًا نظاميًا فحسب، بل يناقض الأمانة الشرعية التي يجب أن يتحلى بها القائم على الوقف.
غياب السجلات المالية الدقيقة وعدم إتاحة المعلومات للمستحقين أو الجهات الرقابية يمثل عقبة كبرى. بعض النظار لا يقدمون حسابات واضحة عن توزيع الغلة أو يصرفون مبالغ تحت مسمى "النثريات" دون إثباتات كافية، مما يهدر حقوق المستحقين ويضعف المصداقية.
بعض إدارات الأوقاف تتجاهل أحكام المحاكم التي تلزمها بتسليم المستندات أو تطبيق أنظمة الاستثمار والشفافية، مما يعكس ثقافة من اللا مسؤولية ويضعف هيبة النظام القضائي والرقابي.
ختامًا، فإن إصلاح النظام الوقفي يحتاج إلى إرادة حقيقية وتعاون بين جميع الأطراف، لضمان أن تظل الأوقاف رافدًا للخير والتنمية كما أرادها الواقفون.