المرض إبتلاء أم رسالة؟ بقلم: د. محمد عيدروس باروم
كثيرون ينظرون إلى المرض باعتباره مجرد ضعفٍ جسدي أو عارضٍ بيولوجي يقطع مجرى الحياة الطبيعية. لكن، هل يمكن أن يكون وراء الألم رسالة خفية؟ وهل يمكن أن يتحول الابتلاء إلى بابٍ لفهم أعمق لذواتنا وعلاقتنا بربنا؟
المرض في جوهره ليس مجرد اضطراب عضوي أو خلل في الجسد، بل هو تجربة وجودية عميقة. قد يأتي عابرًا مثل سحابة صيف، وقد يطول فيصير رحلة اختبار، وقد يقيم مع الإنسان حتى آخر العمر. ومع اختلاف مدده، يبقى السؤال الأهم: كيف نقرأ هذا الابتلاء؟
المؤمن الواعي لا يراه صدفة عمياء، ولا مجرد نتيجة لسلسلة كيميائية أو وراثية؛ بل يراه ضمن منظومة أوسع من الإرادة الإلهية. نعم، الطب يفسر الأسباب، ويضع الفرضيات حول نشاط الخلايا أو تعطّل الجينات، لكن الغاية النهائية لا تكمن في المعادلات وحدها. هناك قصدٌ أعلى، وإشارة خاصة، ورسالة يريد الله أن يبعثها لعبده عبر طريق المرض.
قد يكون في ظاهر الابتلاء مشقة وألم، لكنه في عمقه يحمل معاني أخرى: يقظة للغافل، تذكير للمنشغل بالدنيا، أو رفعٌ لدرجات الصابرين. في داخل كل وجع حكمة، وإن لم تُدرك لحظتها. ربما تتجلى غدًا، أو بعد سنوات، أو لا نعلمها إلا يوم نلقى الله.
وهنا يختلف منظور المؤمن: فهو لا ينشغل بسؤال "لماذا أنا؟" بقدر ما ينشغل بسؤال "ماذا يريد الله أن يعلّمني من خلال هذا الامتحان؟". بهذا الفهم يتحول المرض من قيدٍ خانق إلى رسالة رحمة مخفية، ومن سجنٍ ضيق إلى بابٍ للمعرفة والتقرب إلى الله.
فالمرض، في حقيقته، ليس نهاية المطاف، بل هو طريق مختلف نُساق إليه لنكتشف وجهاً آخر للرحمة الإلهية التي تسبق دائمًا كل ابتلاء.
في النهاية، يبقى المرض أحد وجوه الحكمة الإلهية في مسيرة الإنسان. قد يكون ابتلاءً، لكنه في جوهره رسالة تستحق أن تُقرأ بعينٍ مؤمنة وقلبٍ مطمئن. وبينما يعجز الطب عن تفسير كل الأسرار، يظل الإيمان مفتاح الفهم الأعمق: أن وراء كل وجع رحمة، ووراء كل اختبار معنى. فالموفق من أدرك الرسالة، وصبر على البلاء، واستخرج من محنته قربًا من الله ومعرفةً أوسع بذاته وبحقيقة الدنيا.
تعليقات
إرسال تعليق