الذكاء العاطفي محرك الارتقاء المهني والوظيفي في اقتصاد المعرفةإعداد: د. محمد عيدروس باروم

إنفوجرافيك بصري يوضح مكونات الذكاء العاطفي ودوره في الارتقاء المهني في اقتصاد المعرفة ورؤية السعودية 2030


الملخص التنفيذي

يستعرض هذا المقال الدور المحوري للذكاء العاطفي في تحقيق التقدم المهني والوظيفي، انطلاقًا من تعريفه كمهارة قائمة على فهم وإدارة المشاعر الذاتية ومشاعر الآخرين. في ظل التحول نحو اقتصاد المعرفة، الذي يُعدّ رأس المال البشري فيه أهم الأصول، يبرز الذكاء العاطفي كأحد الركائز الأساسية لبناء كفاءات قادرة على الابتكار والتعاون. يوضح البحث كيف يُسهم الذكاء العاطفي في تعزيز الأداء الوظيفي، وبناء العلاقات، وتحقيق المرونة التنظيمية، مدعومًا بأطر نظرية وتطبيقات عملية. كما يتناول التحديات المرتبطة بتطبيقه ويقدم توصيات لتنميته على المستوى الفردي والمؤسسي، مع التأكيد على مواءمته مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 في تعزيز رأس المال البشري وبناء اقتصاد مزدهر قائم على المعرفة.


المقدمة

في ظل التحولات المتسارعة لبيئات العمل وتعقيدات التفاعلات البشرية، ولمواجهة متطلبات اقتصاد المعرفة الحديث، لم يعد النجاح المهني يرتبط حصريًا بالمهارات التقنية أو المعرفية، بل أصبح الذكاء العاطفي (Emotional Intelligence – EI) عاملًا محوريًا يميز القادة والموظفين المتميزين. تُظهر الدراسات أن الأفراد ذوي الذكاء العاطفي العالي هم الأكثر قدرة على تحقيق التقدم الوظيفي، وبناء شبكات مهنية فعّالة، والتكيف مع التحديات التنظيمية. يُعرّف الذكاء العاطفي بأنه «القدرة على تحديد وفهم وإدارة المشاعر الذاتية ومشاعر الآخرين، مما يُعزز التعاطف ويؤدي إلى تحقيق الأهداف الوظيفية بكفاءة أعلى» (Goleman, 1995). تهدف هذه الورقة إلى تحليل أبعاد الذكاء العاطفي ودوره في الارتقاء المهني، مع تقديم إطار عملي لتطويره وتوظيفه في سياقات مهنية متنوعة.


1. الإطار النظري للذكاء العاطفي

1.1 التعريف والمكونات الأساسية

ارتبط انتشار مفهوم الذكاء العاطفي بعالم النفس دانييل جولمان (Daniel Goleman)، الذي حدد خمسة مكونات رئيسية له:

· الوعي الذاتي: التعرف على المشاعر الذاتية وتأثيرها على السلوك.

· التنظيم الذاتي: إدارة العواطف بطريقة بناءة والتكيف مع الظروف المتغيرة.

· التحفيز الذاتي: الاعتماد على الدوافع الداخلية لتحقيق الأهداف.

· التعاطف: فهم مشاعر الآخرين والاستجابة لها بشكل مناسب.

· المهارات الاجتماعية: بناء علاقات فعالة وإدارة التفاعلات الاجتماعية.

1.2 الذكاء العاطفي مقابل الذكاء المعرفي (IQ)

على عكس الذكاء المعرفي الذي يركز على القدرات التحليلية والمنطقية الثابتة نسبيًا، يُعد الذكاء العاطفي مهارة مرنة قابلة للتطوير عبر التعلم والممارسة. تظهر الأبحاث أن الذكاء العاطفي مسؤول عن ما يصل إلى 58% من الأداء الوظيفي في مختلف المجالات (Bradberry & Greaves, 2009)، مما يجعله مؤشرًا أقوى للنجاح من الذكاء المعرفي في العديد من السياقات المهنية.


2. أهمية الذكاء العاطفي في البيئة المهنية

2.1 تحسين الأداء الوظيفي والقيادي

يسهم الذكاء العاطفي مباشرةً في:

· إدارة الضغوط: تحويل المشاعر السلبية إلى حافز للإنجاز.

· صنع القرار المتوازن: مزج المنطق بالعاطفة لقرارات أكثر استدامة.

· القيادة الفعّالة: قدرة أعلى على تحفيز الفرق وإدارة النزاعات؛ وقد أشارت تحليلات منشورة إلى أن القادة المتعاطفين يحققون معدلات إنتاجية أعلى بنحو 40% مقارنة بغيرهم (Goleman, 2017).

2.2 بناء العلاقات والعمل الجماعي

· تحسين التواصل: فهم احتياجات الزملاء يعزز الثقة والتعاون.

· تعزيز التماسك: فهم تنوع الشخصيات والدوافع يبني فرقًا متماسكة.

· حل النزاعات: وعي اجتماعي وتعاطف يقلّلان الوقت الضائع في صراعات غير منتجة.

2.3 الرضا الوظيفي والاستقرار

بيئات العمل التي تعزز الذكاء العاطفي تشهد مستويات أعلى من الرضا والاحتفاظ بالموظفين. ووفق World Economic Forum (2023)، يُعد الذكاء العاطفي ضمن أهم 10 مهارات مطلوبة مستقبلًا، لدوره في خلق بيئات عمل شاملة ومنتجة.


3. استراتيجيات تنمية الذكاء العاطفي للتقدم المهني

3.1 تطوير الوعي الذاتي

· التأمل والانتباه الذهني لتفكيك الاستجابات التلقائية.

· طلب تغذية راجعة منتظمة لتشخيص مكامن القوة والفرص.

3.2 تحسين إدارة الذات

· تقنيات التنظيم العاطفي كالتنفس العميق وإعادة صياغة الأفكار السلبية.

· تحويل الضغط إلى فرص تعلّم ونمو.

3.3 تعزيز التعاطف والوعي الاجتماعي

· الاستماع الفعّال دون مقاطعة أو أحكام مسبقة.

· تبني وجهات نظر متنوعة وفهم الخلفيات الثقافية.

3.4 تقوية مهارات إدارة العلاقات

· بناء شبكات داعمة قائمة على الثقة والاحترام.

· إظهار الدعم العاطفي في الأوقات الصعبة.


4. تطبيقات عملية للذكاء العاطفي في المهن

4.1 القيادة والإدارة

· إلهام وتحفيز الفرق عبر رؤية مشتركة والاعتراف بالإنجازات.

· إدارة التغيير بثقة ومرونة.

4.2 المهن القائمة على العمل الجماعي

· خلق بيئات آمنة نفسيًا يشعر فيها الأفراد بالتقدير.

· معالجة السلوكيات الصعبة بمزيج من التعاطف والحزم.

4.3 الفرق الافتراضية والعالمية

· الحفاظ على الترابط عبر التواصل الواضح والتعاطف الافتراضي.

· استيعاب الفروق الثقافية في التعبير العاطفي.


5. التحديات والعوائق

5.1 تحديات شائعة

· الموازنة بين التعاطف والحزم لتجنب صورة الضعف.

· قياس الذكاء العاطفي ما زال إشكاليًا لطبيعته الذاتية وتباين تجلياته.

5.2 عواقب الإهمال

· ارتفاع الإرهاق والقلق والشعور بالذنب.

· تواصل ضعيف نتيجة انغلاق الأفراد وسوء الفهم.

· انخفاض الإنتاجية وارتفاع الأخطاء.


6. اتجاهات مستقبلية ومواءمة مع رؤية 2030

· العصر الرقمي: حاجة متزايدة لقادة يُديرون فرقًا افتراضية بذكاء عاطفي عالٍ.

· التكامل مع الذكاء الاصطناعي: توظيف تحليلات المشاعر لدعم التطوير.

· رؤية 2030: تنمية الذكاء العاطفي تتماشى مع تعزيز رأس المال البشري وبناء اقتصاد معرفة مزدهر مرتكز على الكفاءات الوطنية.


7. الخاتمة والتوصيات

الذكاء العاطفي ليس مهارة تكميلية، بل محرّك جوهري للارتقاء المهني. عبر الوعي الذاتي، وإدارة المشاعر، وتعزيز التعاطف، ترتقي المؤسسات والأفراد أداءً وعلاقات. التوصيات:

برامج تدريب ممنهجة للذكاء العاطفي.

تضمين مقاييس الذكاء العاطفي في التوظيف والتقييم.

ثقافة تنظيمية تُقدّر التعاطف والشفافية.

توظيف أدوات التقنية لدعم تحليل المشاعر وتعزيز التواصل الفعّال.

الاستثمار في الذكاء العاطفي هو استثمار في رأس المال البشري، أغلى أصول المؤسسة، ويتقاطع كليًا مع مسارات بناء اقتصاد المعرفة في رؤية المملكة 2030.


المراجع

Goleman, D. (1995). Emotional Intelligence: Why It Can Matter More Than IQ. Bantam Books.

Bradberry, T., & Greaves, J. (2009). Emotional Intelligence 2.0. TalentSmart.

Goleman, D. (2017). Leadership: The Power of Emotional Intelligence. More Than Sound LLC.

World Economic Forum. (2023). The Future of Jobs Report 2023.

بكه. (2025). الذكاء العاطفي في بيئة العمل: مفهومه وكيفية توظيفه وأهميته.

مختلف. (2025). لماذا الذكاء العاطفي أحد أهم وسائل نجاحك كموظف أو قائد في بيئات العمل المختلفة؟

Misk Hub. (2024). مهارة تحتاجها، حتى لو كنتَ عبقريًا! تم الاسترداد: 


🛡️ بيان النزاهة الأكاديمية

تم إعداد هذا المقال باعتماد منهجية صارمة لتجنب الانتحال العلمي، اعتمد على الاستشهاد الدقيق بجميع الأفكار والمصادر الخارجية، واعتماد الصياغة الأصلية للمؤلف مع إعادة الصياغة الأكاديمية الواعية حيثما أمكن، مع مراعاة مبادئ النزاهة الأكاديمية كما وردت في المصادر المعتمدة

© 2025 د. محمد عيدروس باروم. جميع الحقوق محفوظة.

يُسمح بالاقتباس لأغراض علمية وغير ربحية مع الإشارة الصريحة إلى المصدر. ويُحظر الاستخدام التجاري دون إذن كتابي


مدونة د. محمد عيدروس باروم: منصة معرفية في القيادة والحوكمة والاستراتيجية


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عقدة المنصب الجديد: الآليات السيكوسوسيولوجية لتقزيم الماضي وبناء الشرعية الزائفة في القيادة - إعداد: د. محمد عيدروس باروم

استراتيجيات عملية لتعزيز الإنتاجية والرضا الوظيفي - اعداد: د. محمد عيدروس باروم

مؤشرات المخاطر القيادية ودورها في استدامة المنظمات اعداد: د. محمد عيدروس باروم