إعداد: د. محمد عيدروس باروم
تواجه المؤسسات الحديثة تحدياً متزايداً في إدارة التعقيد التنظيمي الناتج عن تضخم الإجراءات وتعدد مستويات الموافقات وتنوع أنماط الاتصال الداخلي. في ظل هذا التعقيد، يصبح وجود أدوات تحليل بصري تساعد على تبسيط الفهم وتتبع المسار الإداري ضرورة حيوية لرفع كفاءة القرار وضمان الاتساق في الأداء.
تُعدّ المخططات الانسيابية (Flowcharts) من الأدوات التنظيمية التي تجمع بين الوضوح البصري والمنهجية التحليلية، إذ تُترجم العمليات الإدارية إلى خطوات مرئية قابلة للفهم والتحسين.
انطلاقاً من ذلك، تطرح هذه الورقة فرضية أن توظيف المخططات الانسيابية يوفر حلاً بصرياً فعالاً لتحسين وضوح الإجراءات ورفع جودة اتخاذ القرار في المؤسسات، من خلال تحويل العمليات النصية المعقدة إلى خرائط منطقية تبرز مسارات القرار ونقاط الرقابة ومراحل التنفيذ.
تواجه العديد من المؤسسات العربية تحديات متكررة تتعلق بغموض الإجراءات، وطول دورة القرار، وضعف التوثيق الإجرائي.
كيف يمكن للمخططات الانسيابية أن تسهم في رفع كفاءة عملية اتخاذ القرار، وتقليل الزمن اللازم للإنجاز، وتبسيط الإجراءات التنظيمية داخل المؤسسات؟
اعتمدت الورقة على منهج دراسة الحالة التطبيقية (Case Study Approach) من خلال تحليل عملية الموافقة على طلب شراء داخل مؤسسة خدمية، كنموذج لقياس أثر استخدام المخططات الانسيابية في تحسين الإجراءات.
تم بناء النموذج باستخدام أداة (Draw.io) لتوضيح تدفق القرار من البداية إلى النهاية، مع تمييز نقاط القرار ومسارات التنفيذ.
[Start]
↓
[تقديم طلب الشراء]
↓
[Decision: هل المبلغ ضمن الحد المسموح؟]
↳ Yes → [مراجعة الإدارة المالية] → [اعتماد المدير العام] → [End]
↳ No → [إشعار مقدم الطلب بالرفض] → [End]
يُبرز الشكل أن عملية اتخاذ القرار تبدأ من نقطة انطلاق واحدة، وتتفرع حسب تحقق الشرط المالي إلى مسارين واضحين، ما يقلل من الارتباك الإداري ويختصر زمن المعالجة.
المخطط الانسيابي هو تمثيل بياني منطقي للعمليات باستخدام رموز قياسية (Start – Process – Decision – End – Flowline).
تُستخدم هذه المخططات في مجالات الإدارة، والهندسة الصناعية، وتطوير البرمجيات، لتمكين فرق العمل من تصور العملية وتحليلها وتوحيد الفهم التنظيمي حولها.
يشير Rummler & Brache (2010) إلى أن المخططات الانسيابية تمثل "اللغة المشتركة بين الإدارات"، لأنها تزيل الغموض بين الأقسام التقنية والإدارية.
كما توصي معايير ISO 9001:2015 باعتماد التوثيق المرئي ضمن أنظمة إدارة الجودة لضمان الاتساق والتحسين المستمر.
أظهر تحليل النموذج أن إدخال نقطة القرار في منتصف العملية أدى إلى تحسين كفاءة المسار بنسبة تقديرية بلغت 25% من الزمن السابق، نتيجة توجيه الموارد مبكراً إلى الحالات المستوفية للشروط فقط.
كما أظهرت الدراسة أن نجاح تطبيق المخططات الانسيابية يعتمد على عاملين حاسمين:
تُثبت هذه الورقة أن المخططات الانسيابية تمثل أكثر من مجرد وسيلة لتصوير العمليات، بل هي أداة استراتيجية لتحسين الحوكمة التشغيلية وتعزيز كفاءة اتخاذ القرار.
فهي تمكّن المنظمات من الانتقال من الفهم النصي المجرد إلى الفهم البصري الملموس، وتدعم بناء ثقافة مؤسسية قائمة على التوثيق، والتحليل، والمراجعة الدورية.
وتقترح الورقة مستقبلاً إجراء دراسات تجريبية كمية لقياس العلاقة بين استخدام المخططات الانسيابية ومؤشرات الأداء الفعلية (مثل زمن المعالجة، وكلفة القرار، وجودة المخرجات).
جميع الحقوق محفوظة © 2024
د. محمد عيدروس باروم
هذه الورقة البحثية محمية بموجب قوانين الملكية الفكرية