إعداد: د. محمد عيدروس باروم
باحث مستقل ومدرب معتمد في القيادة والحوكمة والاستراتيجية
متخصص في تحليل السياسات العامة ومؤشرات رؤية المملكة 2030
حاصل على إجازة علمية موسعة في أحكام الوقف – المدينة المنورة 1441هـ
تحوّل هذه الورقة التفكير بعقلية الآخرين من مهارة فردية إلى منهجية قيادية عملية عبر نموذج العقل الجمعي لبناء القرار، وتقدّم إطارًا زمنيًا للتنفيذ وأدوات قياس ونماذج تطبيقية قابلة للتبني المؤسسي، بما يرفع قبول القرار وفعاليته ويُحدث تحوّلًا ثقافيًا نحو الفهم المشترك.
في بيئة العمل المعاصرة، لم يعد التفكير الفردي كافيًا لصناعة القرارات الاستراتيجية. فالتعقيد المؤسسي وتعدد المصالح وتنوع الخلفيات الفكرية كلها تفرض على القائد تجاوز حدوده الذهنية نحو ممارسة التفكير بعقلية الآخرين (Thinking with Others’ Mindset)، أي إدراك أنماط تفكيرهم ودوافعهم ثم توظيف ذلك في قرارٍ أكثر نضجًا وواقعية وتقبّلًا.
تهدف الورقة إلى تأصيل المفهوم فكريًا وعمليًا، واستعراض نموذج تطبيقي يجمع بين الفهم الإدراكي والبناء المنهجي للقرار، بما يخدم القيادات التنفيذية والأكاديميين ومتخذي القرار.
كيف نُحوِّل «التفكير بعقلية الآخرين» من سلوك عفوي إلى منهجية قيادية متكاملة تُنتج قرارات استراتيجية ناجحة تراعي التعدد العقلي والثقافي دون الإخلال بالحسم المؤسسي؟
تعتمد الورقة المنهج التحليلي–التطبيقي: تحليل المفهوم في ضوء الأدبيات القيادية والإدراك الاجتماعي، ثم بناء إطار عملي قابل للتطبيق المؤسسي.
التفكير بعقلية الآخرين هو القدرة على تمثل النموذج العقلي للآخر — أن ترى الموقف كما يراه هو، لا كما تريد أن تراه. يمر بثلاث مراحل:
يرتبط هذا المفهوم بالذكاء الاجتماعي والمرونة المعرفية، ويُعد مكوّنًا محوريًا في الذكاء العاطفي الاجتماعي.
مبدأ التوازن: لا يعني التفكير بعقلية الآخرين التنازل عن الذات، بل استثمار الإدراك الجمعي لضمان أفضل قرار. يقوم على محورين متلازمين: الفهم (Understanding) والتأثير (Influence).
يربط هذا النموذج بين فهم العقليات وبناء القرار عبر خمس مراحل عملية:
في مشروع إعادة هيكلة قسم الموارد البشرية: المدير التنفيذي (تحليلي)، مدير الموارد (عاطفي)، المستشار التقني (حدسي)، المدير المالي (تنفيذي). طبّق القائد النموذج عبر تحديد الأنماط والاستماع بمنطق لغتهم ودمج المعايير في تحوّل رقمي تدريجي؛ النتيجة: قبول عالٍ وتوازن إداري وتراجع الاعتراضات.
مؤشرات كمية
مؤشرات نوعية
ينقل هذا الإطار المؤسسة من عقلية «الأوامر» إلى ثقافة الفهم المشترك؛ حيث يصبح القرار نتاجًا للعقول لا الألقاب. يُقاس القائد بقدرته على إشراك العقول في صياغة القرار الواحد، وهو جوهر القيادة الإدراكية الحديثة.
يمثل هذا العمل القيادة الإدراكية التكاملية — الجيل الرابع من القيادة بعد السلطوية والتحويلية والتشاركية — حيث ننتقل من «أنا أقرر» إلى «نحن نفكّر ثم نقرر».
تعليقات
إرسال تعليق