صورة
بين الغاية والوسيلة: أخلاقيات القرار في الإدارة والحوكمة | د. محمد عيدروس باروم بين الغاية والوسيلة: أخلاقيات القرار في الإدارة والحوكمة إعداد: د. محمد عيدروس باروم 28 أكتوبر 2025 في الإدارة، لا تُقاس القيمة بما تحقق فقط، بل بكيف تحقق. يضع هذا المقال ميزانًا عمليًا يضمن أن تبقى الوسيلة شريفة، فتُصان الغاية من التشوه. 1) المقدمة: الإشكالية عند كل قرار مهني، يظهر سؤال حاسم: هل تُبرَّر الوسيلة بالغاية، أم أن الوسيلة جزء لا ينفصل عن الغاية؟ يهدف هذا المقال إلى تفكيك المعضلة أخلاقيًا ومهنيًا، والانتقال بها من التنظير إلى الممارسة المسؤولة. 2) الإطار النظري: الغايات والوسائل بين الفلسفة والتطبيق أ. نظرية "الغاية تبرر الوسيلة" تغلّب ...
التفكير بعقلية الآخرين وبناء القرارات: نموذج قيادي متكامل | د. محمد عيدروس باروم

التفكير بعقلية الآخرين وبناء القرارات: نحو نموذج قيادي متكامل في الفهم والتأثير وصناعة القرار

إعداد: د. محمد عيدروس باروم

باحث مستقل ومدرب معتمد في القيادة والحوكمة والاستراتيجية

متخصص في تحليل السياسات العامة ومؤشرات رؤية المملكة 2030

حاصل على إجازة علمية موسعة في أحكام الوقف – المدينة المنورة 1441هـ

الملخص التنفيذي

تحوّل هذه الورقة التفكير بعقلية الآخرين من مهارة فردية إلى منهجية قيادية عملية عبر نموذج العقل الجمعي لبناء القرار، وتقدّم إطارًا زمنيًا للتنفيذ وأدوات قياس ونماذج تطبيقية قابلة للتبني المؤسسي، بما يرفع قبول القرار وفعاليته ويُحدث تحوّلًا ثقافيًا نحو الفهم المشترك.

المقدمة

في بيئة العمل المعاصرة، لم يعد التفكير الفردي كافيًا لصناعة القرارات الاستراتيجية. فالتعقيد المؤسسي وتعدد المصالح وتنوع الخلفيات الفكرية كلها تفرض على القائد تجاوز حدوده الذهنية نحو ممارسة التفكير بعقلية الآخرين (Thinking with Others’ Mindset)، أي إدراك أنماط تفكيرهم ودوافعهم ثم توظيف ذلك في قرارٍ أكثر نضجًا وواقعية وتقبّلًا.

تهدف الورقة إلى تأصيل المفهوم فكريًا وعمليًا، واستعراض نموذج تطبيقي يجمع بين الفهم الإدراكي والبناء المنهجي للقرار، بما يخدم القيادات التنفيذية والأكاديميين ومتخذي القرار.

إشكالية الورقة

كيف نُحوِّل «التفكير بعقلية الآخرين» من سلوك عفوي إلى منهجية قيادية متكاملة تُنتج قرارات استراتيجية ناجحة تراعي التعدد العقلي والثقافي دون الإخلال بالحسم المؤسسي؟

أهداف الورقة

  1. تحليل مفهوم التفكير بعقلية الآخرين وأبعاده المعرفية والسلوكية.
  2. بيان علاقته بجودة القرار القيادي.
  3. بناء نموذج تطبيقي لدمج التفكير بعقلية الآخرين في اتخاذ القرار.
  4. تقديم مؤشرات قياس مبدئية لنضج القائد في هذا الجانب.

المنهج المعتمد

تعتمد الورقة المنهج التحليلي–التطبيقي: تحليل المفهوم في ضوء الأدبيات القيادية والإدراك الاجتماعي، ثم بناء إطار عملي قابل للتطبيق المؤسسي.

الإطار النظري: مفهوم التفكير بعقلية الآخرين

التفكير بعقلية الآخرين هو القدرة على تمثل النموذج العقلي للآخر — أن ترى الموقف كما يراه هو، لا كما تريد أن تراه. يمر بثلاث مراحل:

مراحل التفكير بعقلية الآخرين

  1. الإدراك (Perception): التقاط الإشارات اللفظية وغير اللفظية الدالة على طريقة التفكير.
  2. التمثيل (Representation): بناء صورة ذهنية دقيقة عن عقلية الآخر.
  3. الدمج (Integration): توظيف الصورة الذهنية في القرار والسلوك القيادي.

يرتبط هذا المفهوم بالذكاء الاجتماعي والمرونة المعرفية، ويُعد مكوّنًا محوريًا في الذكاء العاطفي الاجتماعي.

تحليل المفهوم: بين الفهم والتأثير

مبدأ التوازن: لا يعني التفكير بعقلية الآخرين التنازل عن الذات، بل استثمار الإدراك الجمعي لضمان أفضل قرار. يقوم على محورين متلازمين: الفهم (Understanding) والتأثير (Influence).

بناء القرارات: من الإدراك إلى الفعل

  1. تشخيص العقليات الفاعلة (تحليلي، عاطفي، حدسي، تنفيذي...)
  2. محاكاة المنظورات وردود الأفعال المحتملة.
  3. الموازنة بين المنطق الذاتي والجماعي.
  4. اختبار القرار مسبقًا (محاكاة معرفية/طاولة مستديرة).
  5. إطلاق القرار ومتابعة المؤشرات للتحسين المستمر.

النموذج التطبيقي: نموذج العقل الجمعي في اتخاذ القرار

يربط هذا النموذج بين فهم العقليات وبناء القرار عبر خمس مراحل عملية:

  1. تحديد الأطياف العقلية داخل الفريق.
  2. تمثيل منظور كل عقلية ضمن الحوار القيادي.
  3. تحليل نقاط الالتقاء والافتراق بين العقليات.
  4. صياغة قرار يراعي أوزان المنظورات المختلفة.
  5. تقييم النتيجة عبر مؤشرات الرضا المؤسسي وتماسك الفريق.

النتائج الرئيسة

  1. تقليل مقاومة التغيير داخل المنظمات.
  2. رفع استدامة القرارات وفاعليتها.
  3. تحويل القيادة من «أمر» إلى «تأثير واعٍ».
  4. تعزيز الثقة التنظيمية وثقافة التعاون.

التحديات والمخاطر التطبيقية

  • الإرهاق الذهني عند تمثيل عدة عقليات بالتوازي.
  • مخاطر سوء التمثيل وبناء قرار على تصوّرات غير دقيقة.
  • مفاضلة الوقت مقابل الدقة في السياقات العاجلة.
  • التذبذب الاستراتيجي عند الإفراط في إرضاء جميع الأطراف.

دراسة حالة تطبيقية

في مشروع إعادة هيكلة قسم الموارد البشرية: المدير التنفيذي (تحليلي)، مدير الموارد (عاطفي)، المستشار التقني (حدسي)، المدير المالي (تنفيذي). طبّق القائد النموذج عبر تحديد الأنماط والاستماع بمنطق لغتهم ودمج المعايير في تحوّل رقمي تدريجي؛ النتيجة: قبول عالٍ وتوازن إداري وتراجع الاعتراضات.

دليل الممارسة: أنماط العقليات والإجراءات المناسبة

  • تحليلية/منطقية: إشراك مبكر + بيانات دقيقة + حجج قابلة للتحقق.
  • عاطفية/علاقاتية: إبراز الأثر الإنساني وشرح الفوائد للفريق.
  • حدسية/إبداعية: تحفيز الأفكار مع ضبط التوقعات الواقعية.
  • تنفيذية/واقعية: خطة تنفيذ، مسؤوليات واضحة، ومؤشرات أداء قابلة للقياس.

مؤشرات القياس والتقييم

مؤشرات كمية

  • انخفاض معدلات الاعتراض على القرارات.
  • ارتفاع مؤشر مشاركة الموظفين (Engagement Index).
  • تقليص الزمن الوسطي لاتخاذ/تنفيذ القرارات المعقدة.

مؤشرات نوعية

  • تحسّن نتائج استبيانات الرضا القيادي.
  • زيادة المبادرات التطويرية الصادرة من الفرق.
  • تعزيز الثقة في التواصل الأفقي والرأسي.

الإطار الزمني لتطبيق النموذج

  • قصير الأجل (0–3 أشهر): توعية القيادات بالمفهوم، تحليل أولي لأنماط التفكير، تحديد القرارات الحساسة.
  • متوسط الأجل (3–9 أشهر): إنشاء فرق متعددة العقليات، تطبيق تجريبي، قياس الرضا والمشاركة.
  • طويل الأجل (9–18 شهرًا): دمج النموذج في الحوكمة، تقارير تقييم نصف سنوية، وترسيخ الثقافة.

أدوات جمع البيانات والمؤشرات

  • استبيانات دورية قبل/بعد لقياس الرضا والتفاعل.
  • مقابلات فردية مركّزة (Focused Interviews) لاستخلاص رؤى نوعية.
  • تحليل محاضر الاجتماعات والقرارات السابقة لرصد تغيّر نمط الحوار.
  • لوحات متابعة رقمية (Dashboards) لمؤشرات القبول والسرعة والتنفيذ.

نماذج قرارات تطبيقية (Templates)

  • نموذج تحليل العقليات: الأطراف المعنية، نمط التفكير، درجة التأثير والتأثر، متطلبات إشراكه.
  • نموذج محاكاة القرار المسبق: السيناريو الأساسي/بدائل، ردود متوقعة لكل عقلية، آليات التخفيف.
  • نموذج مراجعة ما بعد التنفيذ: النتائج، الرضا، الدروس المستفادة، تحسينات الدورة التالية.

دراسات مقارنة وتطبيقات مشابهة

  • Google: تضمين المنظورات المتنوعة في القرارات الكبرى (Perspective Inclusion) لتحسين الجودة والقبول.
  • هيئة الطرق بسنغافورة (LTA): استخدام العقل الجمعي لتقليص مقاومة التغيير في القرارات التشغيلية.
  • مؤسسة مالية سعودية: تمكين إدراكي لخفض النزاعات ورفع جودة التنفيذ.

التحول الثقافي والبعد الاستراتيجي

ينقل هذا الإطار المؤسسة من عقلية «الأوامر» إلى ثقافة الفهم المشترك؛ حيث يصبح القرار نتاجًا للعقول لا الألقاب. يُقاس القائد بقدرته على إشراك العقول في صياغة القرار الواحد، وهو جوهر القيادة الإدراكية الحديثة.

الخاتمة

يمثل هذا العمل القيادة الإدراكية التكاملية — الجيل الرابع من القيادة بعد السلطوية والتحويلية والتشاركية — حيث ننتقل من «أنا أقرر» إلى «نحن نفكّر ثم نقرر».

روابط التواصل

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة