باحث مستقل ومدرب معتمد في القيادة والحوكمة والاستراتيجية
حاصل على إجازة علمية موسعة في أحكام الوقف المدينة المنورة 1441هـ
البريد الإلكتروني info@drbaroom.com
تهدف هذه الورقة إلى بيان الحقوق الشرعية والنظامية للموقوف عليهم في مواجهة ناظر الوقف، من خلال مقارنة فقهية نظامية بين اجتهادات الفقهاء ونصوص لائحة تنظيم أعمال النظارة الصادرة عن الهيئة العامة للأوقاف في المملكة العربية السعودية. وقد خلصت الورقة إلى أن هذه الحقوق ثابتة شرعاً ونظاماً، ولا يجوز إسقاطها بشرط الواقف، وأن الاستقرار العملي الطويل يُعد قرينة على تعديل الشرط بالمصلحة والعرف، بما يحقق مقاصد الوقف واستدامته.
This paper analyzes the legal and Sharia-based rights of endowment beneficiaries ("mauqoof alayhim") regarding oversight and accountability of the mutawalli (trustee), through a comparative study between classical Islamic jurisprudence and the Saudi regulatory framework — particularly the Regulation of Trusteeship (2021). It concludes that such rights are inalienable under both Sharia and law, and that long-term institutional practice may, through maslahah (public interest) and urf (custom), supersede outdated donor conditions to ensure the sustainability of waqf objectives.
الحمد لله الذي جعل الصدقة الجارية من أفضل القربات، والصلاة والسلام على رسول الله الذي حث على الوقف والعمل الصالح الدائم. أما بعد:
تعتمد هذه الورقة المنهج التحليلي المقارن بين الفقه الإسلامي والنظام السعودي، مستندة إلى النصوص الشرعية والأنظمة الوقفية الحديثة.
أجمع فقهاء المذاهب الأربعة على أن للموقوف عليهم جملة من الحقوق الثابتة التي تمكنهم من حماية حقوقهم في الوقف، ويمكن إجمالها في الآتي:
القاعدة الكبرى: "شرط الواقف كنص الشارع" صحيحة ومقررة عند الفقهاء، لكنها ليست مطلقة، بل مقيدة بألا يخالف الشرط مقصود الشرع أو يفضي إلى ظلم أو تعطيل حق مشروع.
الشرط: "ولا يكون لهم كلام عليه ولا تعرض بوجه من الوجوه"
اللائحة الحديثة عززت موقف الفقه، وأكدت أن حقوق الموقوف عليهم محمية نظاماً:
وهذه النصوص مستمدة من لائحة تنظيم أعمال النظارة الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (286) بتاريخ 1442/6/8هـ، والمنشورة في الجريدة الرسمية عدد (4834)، مما يمنحها قوة إلزام نظامي نافذ على جميع النظار والواقفين.
يتضح من تلاقي الفقه والنظام أن حماية حقوق الموقوف عليهم أصبحت اليوم التزامًا مزدوجًا: شرعيًا بنصوص الفقهاء، ونظاميًا بنصوص الهيئة العامة للأوقاف، بما يعزز مبدأ الحوكمة الوقفية الرشيدة.
تحليل حالة تعاقب النظارة لأكثر من قرن
إذا تولّت فئة من ذريةٍ منعها شرط الواقف النظارة، ثم تعاقب نسلها على النظارة فعلاً مدة تتجاوز قرن دون اعتراض أو ضرر، فإن هذا الاستقرار العملي يُعتبر إسقاطاً فعلياً لشرط المنع بالتقادم العرفي والمصلحة الوقفية.
لأن المصلحة الوقفية مقدّمة على اللفظ المجرد، فإذا تحققت على يد فئة مُنعَت في الأصل، واستقر عرف الأمة على ذلك، فإن هذا دليل على رجحان المصلحة على التقييد، وهو ما يعبّر عنه الفقهاء بقولهم: «تغيّر الأحكام بتغيّر الأزمان».
ولا يُعد هذا إسقاطًا لسلطة الواقف، بل تأويلاً مقاصديًا لشرطه بما يوافق المصلحة الوقفية العامة، وهو ما درجت عليه المحاكم الوقفية في فقه القضاء السعودي.
تُظهر هذه الدراسة أن النظام السعودي للأوقاف استوعب المفاهيم الفقهية الأصيلة، وأعاد صياغتها بلغة مؤسسية حديثة، بحيث أصبحت الشفافية، والرقابة، والمطالبة حقوقًا مضمونة لا تفضّلاً من الناظر، وبذلك اكتمل الالتحام بين فقه التراث ومؤسسات الدولة الحديثة في حماية المال الوقفي وحقوق المستحقين.
JEL Classification: K34 – Law and Economics of Property, Trust, and Nonprofit Organizations
جميع الحقوق محفوظة © 2024
د. محمد عيدروس باروم
هذه الورقة العلمية محمية بحقوق الملكية الفكرية ولا يسمح بنشرها أو توزيعها دون إذن كتابي من المؤلف
تعليقات
إرسال تعليق