صورة
بين الغاية والوسيلة: أخلاقيات القرار في الإدارة والحوكمة | د. محمد عيدروس باروم بين الغاية والوسيلة: أخلاقيات القرار في الإدارة والحوكمة إعداد: د. محمد عيدروس باروم 28 أكتوبر 2025 في الإدارة، لا تُقاس القيمة بما تحقق فقط، بل بكيف تحقق. يضع هذا المقال ميزانًا عمليًا يضمن أن تبقى الوسيلة شريفة، فتُصان الغاية من التشوه. 1) المقدمة: الإشكالية عند كل قرار مهني، يظهر سؤال حاسم: هل تُبرَّر الوسيلة بالغاية، أم أن الوسيلة جزء لا ينفصل عن الغاية؟ يهدف هذا المقال إلى تفكيك المعضلة أخلاقيًا ومهنيًا، والانتقال بها من التنظير إلى الممارسة المسؤولة. 2) الإطار النظري: الغايات والوسائل بين الفلسفة والتطبيق أ. نظرية "الغاية تبرر الوسيلة" تغلّب ...
الحقوق الفقهية والنظامية للموقوف عليهم وحدود سلطة شرط الواقف

الورقة العلمية المحكمة في الحقوق الفقهية والنظامية للموقوف عليهم وحدود سلطة شرط الواقف

إعداد: د. محمد عيدروس باروم

باحث مستقل ومدرب معتمد في القيادة والحوكمة والاستراتيجية

حاصل على إجازة علمية موسعة في أحكام الوقف المدينة المنورة 1441هـ

البريد الإلكتروني info@drbaroom.com

ملخص البحث

...

تهدف هذه الورقة إلى بيان الحقوق الشرعية والنظامية للموقوف عليهم في مواجهة ناظر الوقف، من خلال مقارنة فقهية نظامية بين اجتهادات الفقهاء ونصوص لائحة تنظيم أعمال النظارة الصادرة عن الهيئة العامة للأوقاف في المملكة العربية السعودية. وقد خلصت الورقة إلى أن هذه الحقوق ثابتة شرعاً ونظاماً، ولا يجوز إسقاطها بشرط الواقف، وأن الاستقرار العملي الطويل يُعد قرينة على تعديل الشرط بالمصلحة والعرف، بما يحقق مقاصد الوقف واستدامته.

Abstract

This paper analyzes the legal and Sharia-based rights of endowment beneficiaries ("mauqoof alayhim") regarding oversight and accountability of the mutawalli (trustee), through a comparative study between classical Islamic jurisprudence and the Saudi regulatory framework — particularly the Regulation of Trusteeship (2021). It concludes that such rights are inalienable under both Sharia and law, and that long-term institutional practice may, through maslahah (public interest) and urf (custom), supersede outdated donor conditions to ensure the sustainability of waqf objectives.

تمهيد

الحمد لله الذي جعل الصدقة الجارية من أفضل القربات، والصلاة والسلام على رسول الله الذي حث على الوقف والعمل الصالح الدائم. أما بعد:

تعتمد هذه الورقة المنهج التحليلي المقارن بين الفقه الإسلامي والنظام السعودي، مستندة إلى النصوص الشرعية والأنظمة الوقفية الحديثة.

المبحث الأول: التأصيل الفقهي لحقوق الموقوف عليهم

أجمع فقهاء المذاهب الأربعة على أن للموقوف عليهم جملة من الحقوق الثابتة التي تمكنهم من حماية حقوقهم في الوقف، ويمكن إجمالها في الآتي:

أولاً: الحق في المعرفة والاستعلام:

  1. حقيقة الحق: حق الموقوف عليه في الاطلاع على شروط الواقف، ومعرفة حصته من المنفعة، والاطلاع على أوجه الصرف والإيرادات.
  2. الدليل الفقهي: قاعدة "شرط الواقف كنص الشارع" تجعل الاطلاع على شروط الواقف ضرورة لضمان تنفيذها.

ثانياً: الحق في الرقابة والمتابعة:

  1. حقيقة الحق: حق الموقوف عليهم في مراقبة أداء الناظر من حيث الالتزام بشروط الواقف، وصيانة أصل الوقف، والعدل في توزيع الغلة.
  2. الدليل الفقهي: قول الإمام الماوردي: "فإن خان أو أضاع أو جار، عُزل" (الحاوي الكبير).

ثالثاً: الحق في المطالبة والاحتجاج:

  1. حقيقة الحق: يتضمن هذا الحق مستويين: المطالبة المباشرة بتصحيح الخطأ، ورفع الشكوى للقضاء في حال الاستمرار في المخالفة.
  2. الدليل الفقهي: قول الإمام السرخسي: "إذا ولي القاضي النظر في الأوقاف فعليه أن ينظر في حال المتولي، فإن ظهر منه خيانة أو تفريط عزله" (المبسوط).

المبحث الثاني: حدود سلطة شرط الواقف في تقييد حقوق الموقوف عليهم

أولاً: القاعدة الفقهية المنظمة لشروط الواقف:

القاعدة الكبرى: "شرط الواقف كنص الشارع" صحيحة ومقررة عند الفقهاء، لكنها ليست مطلقة، بل مقيدة بألا يخالف الشرط مقصود الشرع أو يفضي إلى ظلم أو تعطيل حق مشروع.

  1. قال ابن قدامة: "فإن شرط ما يخالف مقتضى الوقف أو الشرع لم يصح الشرط" (المغني).
  2. قال الشاطبي: "الشرط إن أدى إلى إبطال المقصود كان باطلاً، لأن الوسائل لها حكم المقاصد".

ثانياً: التمييز بين نوعي الشروط:

  1. الشرط التنظيمي الإداري: (كمنع فئة من تولي النظارة) - جائز ونافذ.
  2. الشرط الإسقاطي للحقوق: (كمنع المطالبة أو الرقابة) - باطل وغير نافذ.

ثالثاً: تحليل شرط المنع من الكلام والمطالبة:

الشرط: "ولا يكون لهم كلام عليه ولا تعرض بوجه من الوجوه"

  1. الحكم: باطل شرعاً لعدة أسباب:
    • مخالفة مقاصد الشريعة في منع الظلم
    • إسقاط حق ثابت شرعاً للموقوف عليهم
    • تعطيل حق من حقوق العباد المالية
    • مخالفة قاعدة "الضرر يزال"

رابعاً: الأساس النظامي لحماية الحقوق:

اللائحة الحديثة عززت موقف الفقه، وأكدت أن حقوق الموقوف عليهم محمية نظاماً:

  1. المادة (10/3): "إتاحة المعلومات والبيانات للموقوف عليهم إذا تعلقت بمصالحهم، وحال طلبها".
  2. المادة (26/5): "إلزام الناظر بإعادة حقوق المستحقين الناتجة عن المخالفات".
  3. المادة (23/5): "تستقبل الهيئة الإبلاغ عن أي مخالفة من خلال قنواتها الرسمية".

وهذه النصوص مستمدة من لائحة تنظيم أعمال النظارة الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (286) بتاريخ 1442/6/8هـ، والمنشورة في الجريدة الرسمية عدد (4834)، مما يمنحها قوة إلزام نظامي نافذ على جميع النظار والواقفين.

الخاتمة والنتائج

يتضح من تلاقي الفقه والنظام أن حماية حقوق الموقوف عليهم أصبحت اليوم التزامًا مزدوجًا: شرعيًا بنصوص الفقهاء، ونظاميًا بنصوص الهيئة العامة للأوقاف، بما يعزز مبدأ الحوكمة الوقفية الرشيدة.

  1. للموقوف عليهم حقوق ثابتة شرعاً لا تسقط بشرط الواقف
  2. شروط الواقف في تقييد النظارة صحيحة ونافذة
  3. الشروط التي تسقط الحقوق الأساسية باطلة غير نافذة
  4. النصوص النظامية أكدت حماية هذه الحقوق

التوصيات

  1. تنظيم لوائح وقفية نموذجية تحدد حقوق الموقوف عليهم
  2. تأهيل القضاة في قضايا الأوقاف
  3. تشجيع الواقفين على وضع شروط واضعة لا تتعارض مع الضوابط الشرعية

الملحق: أثر الاستقرار الوقفي الطويل في إسقاط شرط الواقف

تحليل حالة تعاقب النظارة لأكثر من قرن

أولاً: الأساس الفقهي لإسقاط الشرط بالتقادم العرفي:

  1. قال ابن عابدين: "العرف الجاري في الأوقاف كالشرط في صكّها"
  2. قال القرافي: "العادة محكّمة، فإذا استمر العمل على وجه لم يُنكره أحد صار عرفًا مقدَّمًا على القول المجرد"

ثانياً: الشروط المعتبرة لإسقاط الشرط بالتقادم:

  1. تعاقب النظارة من الفئة الممنوعة أكثر من جيلين أو ثلاثة
  2. اعتراف المستحقين أو سكوتهم الطويل (إقرار ضمني)
  3. عدم وجود ضرر بل تحقق المصلحة الوقفية

ثالثاً: الأساس النظامي لإقرار الواقع المستقر:

  1. المادة (9) من لائحة تنظيم أعمال النظارة: تنفيذ ما يكون أقرب إلى مقاصد الواقف
  2. المادة (12): اعتبار المصلحة الوقفية معياراً في استمرار النظارة

النتيجة:

إذا تولّت فئة من ذريةٍ منعها شرط الواقف النظارة، ثم تعاقب نسلها على النظارة فعلاً مدة تتجاوز قرن دون اعتراض أو ضرر، فإن هذا الاستقرار العملي يُعتبر إسقاطاً فعلياً لشرط المنع بالتقادم العرفي والمصلحة الوقفية.

لأن المصلحة الوقفية مقدّمة على اللفظ المجرد، فإذا تحققت على يد فئة مُنعَت في الأصل، واستقر عرف الأمة على ذلك، فإن هذا دليل على رجحان المصلحة على التقييد، وهو ما يعبّر عنه الفقهاء بقولهم: «تغيّر الأحكام بتغيّر الأزمان».

ولا يُعد هذا إسقاطًا لسلطة الواقف، بل تأويلاً مقاصديًا لشرطه بما يوافق المصلحة الوقفية العامة، وهو ما درجت عليه المحاكم الوقفية في فقه القضاء السعودي.

إطار توحيد المرجعية بين الفقه والنظام الوقفي في المملكة:

تُظهر هذه الدراسة أن النظام السعودي للأوقاف استوعب المفاهيم الفقهية الأصيلة، وأعاد صياغتها بلغة مؤسسية حديثة، بحيث أصبحت الشفافية، والرقابة، والمطالبة حقوقًا مضمونة لا تفضّلاً من الناظر، وبذلك اكتمل الالتحام بين فقه التراث ومؤسسات الدولة الحديثة في حماية المال الوقفي وحقوق المستحقين.

المراجع

  1. ابن قدامة، المغني
  2. السرخسي، المبسوط
  3. الماوردي، الحاوي الكبير
  4. ابن عابدين، رد المحتار
  5. الشاطبي، الموافقات
  6. لائحة تنظيم أعمال النظارة، الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (286) في 8/6/1442هـ، الجريدة الرسمية (أم القرى) العدد (4834)، ص. 23–28.

JEL Classification: K34 – Law and Economics of Property, Trust, and Nonprofit Organizations