من الأعباء إلى الأثر: كيف يتحول القطاع غير الربحي إلى نموذج مستدام… ومربح؟
القطاع غير الربحي لم يعد مساحة خيرية تعمل على قدر التبرعات الموسمية. اليوم نحن أمام صناعة تنموية تتطلب نماذج تشغيل واضحة، واستدامة مالية، وقدرة على بناء أثر يتوسع عامًا بعد عام.
لمحة سريعة
يشهد القطاع غير الربحي في السعودية توسعًا ملحوظًا. هذا النمو يفتح فرصًا جديدة، لكنه يسلط الضوء على سؤال محوري:
كيف نتجاوز مصيدة التمويل المؤقت ونضمن استدامة الأثر؟
خمس ركائز جوهرية
لكي تبقى المنظمة مستقرة، تحتاج إلى منظومة متكاملة تشمل:
- تخطيطًا استراتيجيًا طويل المدى
- إدارة مالية منضبطة
- تنويعًا حقيقيًا لمصادر الدخل
- قياسًا احترافيًا للأثر
- شراكات قائمة على القيمة
ثلاثية الاستدامة… الصورة الذهنية
الاستدامة كطاولة بثلاث قوائم:
1. الاستدامة الاجتماعية
برامج تُصمَّم بالتعاون مع المستفيدين لتحقيق أثر حقيقي مستدام.
2. الاستدامة المالية
هنا يظهر "النموذج المربح" بمعناه الصحيح:
- توليد فائض مالي
- إعادة ضخّه كاملًا داخل المنظمة
- تطوير البرامج
- بناء احتياطي مالي يحميها من الصدمات
لا أرباح، بل فائض يعزز الرسالة.
3. الاستدامة البيئية
ممارسات تقلل البصمة الكربونية وتحسّن كفاءة استخدام الموارد.
الحوكمة… نقطة التحول
الحوكمة ليست شعارات أو وثائق.
هي نظام تشغيل يومي يضبط المال، والقرار، والمسؤولية.
مجالس فعالة، شفافية مالية، وأدوار واضحة… هذا هو الأساس.
التحول الرقمي… الشريان الحيوي للنمو
الأبحاث تشير بوضوح:
التحول الرقمي يدعم الاستدامة الاجتماعية والمالية والبيئية في آن واحد.
اجتماعيًا
- تحسين الوصول إلى الفئات المستهدفة
- تعزيز المشاركة المجتمعية
- رقمنة تجربة المستفيد
ماليًا
- خفض التكاليف التشغيلية
- تنويع مصادر التمويل عبر المنصات الرقمية
- تحسين الشفافية في عرض الأثر
بيئيًا
- تقليل الهدر
- تحسين إدارة الموارد
- دعم اتخاذ القرار بالبيانات
تنويع مصادر التمويل… صمام الأمان الحقيقي
الاعتماد على مصدر واحد مخاطرة.
النموذج الحديث يعتمد على مزيج متوازن من القنوات:
• الاستثمار الاجتماعي
استثمار جزء من الموارد في أدوات منخفضة المخاطر تحقق عائدًا ماليًا وأثرًا اجتماعيًا في الوقت نفسه.
• صناديق الوقف
صناديق مالية تُستثمر في أدوات مثل السندات الحكومية، وتُستخدم عوائدها لتمويل التشغيل بصورة مستمرة.
• المشاريع الاجتماعية الوقفية
مثل نموذج المتاجر الاجتماعية (Oxfam).
وهو نموذج قريب من فلسفة الدكاكين والعقارات الوقفية في تاريخنا الإسلامي.
• الخدمات المدفوعة
استشارات، برامج تدريب، أو محتوى متخصص.
• برامج العضوية المدفوعة
اشتراكات تمنح مزايا حصرية وتخلق مصدر دخل متكرر.
• منح Google Ad Grants
رصيد إعلاني يصل إلى 120,000 دولار سنويًا… فرصة ضخمة لتعزيز الوعي والتعريف بالمنظمة.
• التمويل الجماعي الذكي
كل قناة تضيف طبقة جديدة من الاستقلالية والمرونة.
الوقود الحقيقي: رأس المال البشري
استدامة الأثر تبدأ باستدامة المواهب.
التخطيط الاستراتيجي للمواهب
تحديد المهارات الحرجة اليوم وغدًا، وبناء مسارات تطوير وتعلم.
بيئة عمل تحارب الاحتراق الوظيفي
لأن استبدال الموظفين مكلف ماليًا وزمنيًا وبرنامجيًا.
بناء القدرات البحثية
البحث والتحليل ليسا رفاهية، بل وظيفة أساسية:
- يحسّنان جودة القرار
- يرفعان فعالية البرامج
- يجعلان المنظمة أكثر احترافية وجاذبية للكفاءات
- يفتحان باب الشراكات مع الجامعات والمؤسسات الأكاديمية
السياق الوطني: رؤية 2030 تضبط الاتجاه
رؤية المملكة وضعت هدفًا صريحًا:
رفع مساهمة القطاع غير الربحي في الناتج المحلي من 0.3% إلى 5%.
هذا الهدف يضع القطاع أمام مسؤولية واضحة:
الانتقال من الاعتماد إلى الامتلاك… ومن الدعم إلى الاستدامة.
الخلاصة
الاستدامة ليست ترفًا.
هي الفرق بين منظمة تنطفئ عند أول أزمة، ومنظمة تصنع أثرًا متجددًا عامًا بعد عام.
الحوكمة، التحول الرقمي، تنويع التمويل، ورأس المال البشري… ليست خيارات منفصلة، بل نظام تشغيل متكامل يبني القطاع غير الربحي الذي تريده رؤية 2030.
للمهتمين بالتوسع:
- المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي
- منتدى Beyond Profit – الرياض، ديسمبر 2025
سؤال للنقاش:
ما العنصر الأكثر حساسية لتحقيق استدامة حقيقية في القطاع غير الربحي؟
شارك رأيك… فقد يلهم منظمة أخرى اليوم.
جميع الحقوق محفوظة © 2023
د. محمد عيدروس باروم
مستشار تطوير القطاع غير الربحي والاستدامة المؤسسية
تعليقات
إرسال تعليق