

"قراءة فقهية في ضوء القضاء الوقفي وتداول النظارة"
يُعد الوقف من أعظم المؤسسات الإسلامية التي أرست دعائم الاستدامة، والعدالة الاجتماعية، والتكافل، وحماية رأس المال من التآكل. وقد اعتنت الشريعة الإسلامية بجوانب تأسيسه وتفعيله والرقابة عليه. ومن أبرز عناصر الوقف: "شرط الواقف"، الذي يُنظر إليه على أنه نَصٌّ شرعي، ما لم يتعارض مع نص أو مصلحة معتبرة.
اتفق جمهور الفقهاء على أن شرط الواقف يُعد كنص الشارع، وعبّروا عن ذلك بقولهم: "شرط الواقف كنص الشارع، ما لم يخالف نصًا أو يُعطِّل مصلحة".
وهو ما يعني أن شرط الواقف يُلزِم، ويُحتكم إليه، طالما:
رغم الاحترام الكبير لشرط الواقف، إلا أن الفقهاء المعاصرين، وفتاوى المجامع الفقهية، أقرت بوضوح أن الشرط يُراجع ويُلغى في الأحوال التالية:
في حالات متعددة، تولّى القضاء الشرعي مسؤولية معالجة الشروط الوقفية القديمة، وذلك عندما:
ويُعد تدخل القضاء في هذه الحالة واجبًا شرعيًا وتنظيميًا، لا يُخالف شرط الواقف، بل يحقق مقصده الحقيقي: حفظ الوقف وصرف منافعه بعدل وكفاءة.
من الظواهر التي بدأت تتسلل إلى بعض الأوقاف: توريث النظارة عرفًا دون نص أو مراجعة.
وقد أشار الفقهاء إلى أن: "النظارة لا تُورَّث إلا بنص من الواقف"،
وأن الاستئثار بها من فرع معين دون مبرر شرعي، يُعد من التعدي على الوقف.
لذا يجب أن تُدار النظارة:
في عدد من الوقائع التاريخية، وُجد في صك الوقف شرط يمنع فئة معينة من أبناء العم أو ذرية فرعية من تولي النظارة.
لكن – بمرور الزمن – ثبت الآتي:
وعليه، فإن هذا الواقع يُعد قرينة شرعية قوية على سقوط المنع، وتغير الحال، ومشروعية مراجعة الشرط.
قال الفقهاء: "ما استقر عليه القضاء، وسكتت عنه الجهات، وأجرته العادة، يأخذ حكم الاستقرار الشرعي، ما لم يُظهر مفسدة أو ظلم".
من أبرز مظاهر التعطيل في بعض الأوقاف اليوم، عدم فتح حساب بنكي رسمي باسم الوقف، مما يُعطّل:
وقد نادت الجهات المختصة، ومنها الهيئة العامة للأوقاف، بضرورة:
إن احترام شرط الواقف لا يعني تجميده على حساب العدالة، ولا يعني غض الطرف عن استحقاقات معلومة، أو ظلم واقع على فئة من الذرية، وإن تدخل القضاء أو الجهات الإشرافية في مراجعة الشروط لا يُعد انتقاصًا من الواقف، بل هو تحقيق لقصده في الاستدامة، والعدالة، وصلاح الذرية، فالوقف رسالة، لا مجرد صك، ومقصده: حفظ المال، وعدالة الانتفاع، وكفاءة الإدارة.
وكل شرط يُعيق هذه المقاصد، يجب أن يُراجع بعين الفقه والرحمة والواقع.
تنويه أكاديمي: قد تبدو تواريخ النشر متقاربة، نظرًا لعملية نقل وأرشفة الأبحاث والمقالات إلى المدونة بعد تدشينها
إعداد: د. محمد عيدروس باروم
باحث أكاديمي ومدرب معتمد في القيادة، الحوكمة، والاستراتيجية والوقف
تعليقات
إرسال تعليق