تقدم هذه الورقة البحثية تحليلاً متعمقاً لنماذج التميز المؤسسي مع التركيز على نموذج EFQM الأوروبي ونموذج الملك عبدالعزيز للجودة كدراسة حالة في السياق السعودي. تهدف الدراسة إلى تحديد أوجه التكامل بين النموذجين وآليات تطبيقهما لتحقيق التحسين المستدام في الأداء المؤسسي. اعتمدت المنهجية على التحليل المقارن والمراجعة المنهجية للأدبيات الأكاديمية والتطبيقات العملية. كشفت النتائج عن إمكانية تحقيق تكامل فعال بين النموذجين من خلال استخلاص أفضل الممارسات العالمية وتكييفها مع الخصوصية المحلية. تقدم الدراسة إطاراً مقترحاً للدمج بين منهجيات التميز المختلفة وتوصيات عملية لتطبيقها في القطاعات المختلفة، مساهمة في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 في بناء اقتصاد معرفي تنافسي.
الكلمات المفتاحية: التميز المؤسسي، نموذج EFQM، جائزة الملك عبدالعزيز للجودة، إدارة الجودة الشاملة، RADAR، الرؤية السعودية 2030.
في ظل بيئة الأعمال المتسارعة والتنافسية العالمية، أصبح التميز المؤسسي ليس رفاهية إدارية بل ضرورة استراتيجية لضمان الاستدامة والنمو. تواجه المنظمات المعاصرة تحديًا متزايدًا في الحفاظ على مستويات أداء عالية وتقديم قيمة مستمرة لأصحاب المصلحة في ظل تطور توقعات العملاء وتعقد المتطلبات التنظيمية. تشير الدراسات إلى أن نسبة نجاح المنظمات في تحقيق أهدافها الاستراتيجية لا تتعدى 60% في أفضل الأحوال، مما يؤكد الحاجة إلى تبني نماذج تميز مؤسسي شاملة .
تعتبر نماذج التميز المؤسسي أطرًا منهجية توضح للمنظمات مسار التحسين المستمر وتمكنها من تقييم أدائها بشكل موضوعي. ومن أبرز هذه النماذج نموذج التميز الخاص بالمؤسسة الأوروبية لإدارة الجودة (EFQM) الذي تم تطويره في أواخر الثمانينات، وجائزة الملك عبدالعزيز للجودة التي تمثل إطار التميز المحلي في المملكة العربية السعودية . تبلور إشكالية البحث في وجود فجوة بين التبني الشكلي لنماذج التميز والتطبيق الفعال الذي يحقق النتائج المرجوة، حيث أن العديد من المؤسسات تتبنى أدوات الجودة بشكل سطحي دون فهم عميق للفلسفة الكامنة وراءها .
تهدف هذه الدراسة إلى تحليل متعمق لنموذج EFQM ونموذج الملك عبدالعزيز للجودة، وتحديد أوجه التكامل بينهما، ووضع إطار عملي لتحقيق الاستفادة القصوى من مزايا كل نموذج في السياق التنظيمي السعودي. كما تسعى إلى تقديم توصيات عملية لتمكين المنظمات من تطبيق هذه النماذج بشكل فعال يحقق التحسين المستدام في الأداء ويسهم في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030.
اعتمدت هذه الدراسة على المنهجية التحليلية المقارنة من خلال تحليل المحتوى النوعي للنماذج موضع الدراسة. تم جمع البيانات من مصادر أولية وثانوية تشمل الأدبيات الأكاديمية والتقارير الرسمية ودراسات الحالة. كما تم استخدام طريقة التحليل المقارن لتحديد أوجه التشابه والاختلاف بين النموذجين.
شملت عملية جمع البيانات المراجعة المنهجية للدراسات السابقة والمقالات العلمية المتعلقة بنماذج التميز المؤسسي، مع التركيز على نموذج EFQM وجائزة الملك عبدالعزيز للجودة. تم تحليل محتوى الوثائق الرسمية للنموذجين بما في ذلك أدلة التطبيق ونماذج التقييم ودراسات الحالة المنشورة.
المنهجية المستخدمة في الدراسة:
نموذج EFQM هو إطار عمل لإدارة الجودة تم تطويره من قبل المؤسسة الأوروبية لإدارة الجودة في أواخر الثمانينات. يقوم النموذج على فلسفة التميز المؤسسي الشامل الذي يشمل جميع جوانب operation المنظمة. يتكون النموذج من سبعة معايير رئيسية تم تنظيمها في ثلاث فئات هي: التوجيه، التنفيذ، والنتائج .
يعتمد النموذج على منطق RADAR الذي يمثل دورة التحسين المستمر والتي تتكون من أربع مراحل: تحديد النتائج (Results)، تطوير المنهجيات (Approaches)، تنفيذ المنهجيات (Deployment)، تقييم وتحسين المنهجيات (Assessment and Refinement). يهدف هذا المنطق إلى تمكين المنظمات من تحقيق التحسين المستدام من خلال التخطيط المنهجي والتنفيذ الفعال والتقييم المنتظم .
تم إطلاق جائزة الملك عبدالعزيز للجودة في عام 2000 بهدف تعزيز ثقافة الجودة والتميز في المملكة العربية السعودية. تعتبر الجائزة واحدة من أبرز الجوائز في المنطقة التي تحفز المنظمات على تبني معايير الجودة العالمية مع مراعاة الخصوصية المحلية .
تتكون معايير الجائزة من سبعة محاور رئيسية تتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030 وهي: القيادة، الاستراتيجية، العملاء، القياس والتحليل والمعرفة، القوى العاملة، العمليات، والنتائج. تركز الجائزة على تحقيق التميز في الأداء من خلال الابتكار والتحسين المستمر وخلق قيمة مضافة لأصحاب المصلحة .
يكمن الاختلاف الرئيسي بين النموذجين في تركيز كل منهما؛ حيث يركز نموذج EFQM على التميز الشامل بينما تركز جائزة الملك عبدالعزيز على الجودة كمدخل للتميز. كما يختلف النموذجان في آلية التطبيق وأدوات القياس، حيث يقدم EFQM منهجية RADAR الشاملة بينما تقدم الجائزة أدوات قياس أكثر تحديدًا تناسب البيئة المحلية.
مقارنة موجزة بين نموذج EFQM وجائزة الملك عبدالعزيز للجودة:
يكمن التشابه الأساسي بين النموذجين في تركيزهما على تحقيق التميز المؤسسي من خلال الالتزام بمعايير عالمية. كلا النموذجين يضعان القيادة في صدارة أولوياتهما، حيث يعتبران أن الدور القيادي هو المحرك الأساسي لتحقيق التميز المؤسسي. كما يشتركان في التركيز على أهمية الاستراتيجية والتخطيط طويل المدى لتحقيق الرؤية المؤسسية .
كلا النموذجين يوليان أهمية كبيرة للعملاء وأصحاب المصلحة، حيث يركزان على فهم احتياجاتهم وتوقعاتهم وتلبية هذه الاحتياجات بشكل يتجاوز التوقعات. كما يشتركان في التأكيد على أهمية القياس والتحليل القائم على البيانات في اتخاذ القرارات وتحسين الأداء .
يختلف النموذجان في النطاق والتركيز، حيث أن نموذج EFQM أوسع نطاقًا وأكثر شمولية من حيث التغطية للمجالات المختلفة للمنظمة. في حين تركز جائزة الملك عبدالعزيز للجودة على الجودة كمدخل رئيسي للتميز، فإن نموذج EFQM يتناول التميز بشكل أشمل وأكثر تكاملاً .
من ناحية أخرى، يتميز نموذج الملك عبدالعزيز للجودة بمرونته وقدرته على التكيف مع البيئة المحلية، حيث يأخذ في الاعتبار الخصوصية الثقافية والاجتماعية للمملكة العربية السعودية. كما أنه يتماشى بشكل وثيق مع أهداف رؤية المملكة 2030 واستراتيجياتها التنموية .
تواجه المنظمات التي تطبق أيًا من النموذجين تحديات مشتركة، أبرزها مقاومة التغيير الثقافي المؤسسي. كثيرًا ما تواجه عملية التحول نحو التميز مقاومة من الموظفين والإدارات المتوسطة بسبب الخوف من التغيير أو عدم الفهم الكامل لمتطلبات النماذج. كما تشكل صعوبة قياس العائد على الاستثمار في مبادرات الجودة والتميز تحديًا كبيرًا للمنظمات .
من التحديات الأخرى نقص الكوادر المؤهلة والقادرة على قيادة عمليات التحول نحو التميز، وصعوبة توثيق العمليات والممارسات بشكل منهجي، وعدم وجود أنظمة معلومات متكاملة تدعم عملية جمع البيانات وتحليلها لاتخاذ القرارات .
كشفت الدراسة عن عدة نتائج مهمة، أهمها أن الجمع بين النموذجين يمكن أن يحقق قيمة مضافة للمنظمات السعودية. حيث يمكن الاستفادة من شمولية نموذج EFQM وقدرته على تقديم رؤية متكاملة للتميز، مع خصوصية نموذج الملك عبدالعزيز للجودة وارتباطه بأهداف رؤية المملكة 2030 .
أظهر التحليل أن المنظمات التي تطبق النموذجين معًا تحقق نتائج أفضل في مؤشرات الأداء الرئيسية، خاصة في مجالات رضا العملاء ورضا الموظفين والكفاءة التشغيلية. كما بينت الدراسة أن نجاح التطبيق يعتمد بشكل كبير على الالتزام من القيادة العليا ووجود ثقافة تنظيمية داعمة للتميز والتحسين المستمر .
من النتائج المهمة أيضًا أن التطبيق الفعال للنموذجين يساهم في تعزيز القدرة التنافسية للمنظمات السعودية في الأسواق العالمية، ويساعد في جذب الاستثمارات الخارجية، ويسهم في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 المتعلقة ببناء اقتصاد معرفي تنافسي .
تمثل نماذج التميز المؤسسي ومنها نموذج EFQM وجائزة الملك عبدالعزيز للجودة أدوات استراتيجية لتحقيق التحسين المستدام في الأداء المؤسسي. يقدم هذا البحث تحليلاً مقارنًا لهذين النموذجين ويبين أوجه التكامل بينهما لإحداث قيمة مضافة للمنظمات في السياق السعودي.
أظهرت الدراسة أن الجمع بين شمولية نموذج EFQM وخصوصية نموذج الملك عبدالعزيز للجودة يمكن أن يساهم في تعزيز القدرة التنافسية للمنظمات السعودية ويدعم تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030. كما أكدت على أهمية الالتزام القيادي وبناء الثقافة التنظيمية الداعمة كعوامل حاسمة لنجاح تطبيق نماذج التميز.
تفتح هذه الدراسة آفاقًا للبحوث المستقبلية في مجال تطوير نماذج تميز مؤسسي متكيفة مع البيئة العربية، ودراسة أثر تطبيق هذه النماذج على الأداء التنظيمي في القطاعات المختلفة، واستكشاف سبل الاستفادة من التقنيات الحديثة في دعم عمليات التميز المؤسسي.
تعليقات
إرسال تعليق