إعداد: د. محمد عيدروس باروم
تُعد الشفافية لدى ناظر الوقف ركيزة أساسية لضمان فعالية الأوقاف واستدامتها، وتحقيق مقاصد الواقفين. يبحث هذا المقال في مفهوم الشفافية في إدارة الأوقاف، وأهميتها، وآليات تطبيقها، والتحديات التي تواجهها. وقد اعتمد المقال على منهجية تحليل الوثائق الرسمية والأدبيات الأكاديمية ذات الصلة، في إطار تحليلي نقدي. ويخلص إلى أن الشفافية ليست مجرد مطلب رقابي، بل أداة استراتيجية لبناء الثقة، وتعزيز المساءلة، وجذب الدعم المجتمعي، مع تقديم توصيات عملية لتعزيزها في قطاع الأوقاف.
يُعد نظام الوقف في الشريعة الإسلامية من أبرز التشريعات التي تجسّد التكامل بين البُعد التعبدي والتنموي؛ إذ يجمع بين السعي للأجر الأخروي وتحقيق الوظيفة المجتمعية في بناء الاقتصاد والدعم الاجتماعي. وتبرز الشفافية في إدارة الأوقاف كحجر زاوية لضمان نجاح هذا النظام واستمراريته، خاصة مع تطور أنماط الأوقاف وتشعّب علاقاتها مع أصحاب المصلحة. الشفافية هنا ليست مبدأً أخلاقيًا فحسب، بل ضرورة عملية لبناء الثقة، ومكافحة الفساد، ورفع الكفاءة الإدارية والمالية.
تهدف هذه الدراسة إلى تحليل متطلبات الشفافية التي يجب أن يلتزم بها ناظر الوقف في تعامله مع أصحاب المصلحة، بناءً على الأطر الشرعية والتنظيمية المعاصرة، مع رصد الآليات العملية والتحديات، وتقديم توصيات لتحسين الفاعلية وال الاستدامة. وتعتمد الدراسة على تحليل وثائق الهيئة العامة للأوقاف ولوائحها ذات الصلة، إضافة إلى الأدبيات الأكاديمية.
اعتمدت الدراسة منهجًا تحليليًا نقديًا للوثائق التنظيمية والمبادئ الإرشادية الصادرة عن الجهات المختصة، مع مراجعة انتقائية للأبحاث الأكاديمية ذات الصلة بمفاهيم الشفافية والحكومة الرشيدة في القطاع غير الربحي. وتم التركيز على التطبيقات العملية القابلة للتنفيذ في بيئات الأوقاف المختلفة.
يمكن تعريف الشفافية في الإدارة الوقفية، استنادًا إلى أدبيات الحوكمة، بأنها الانفتاح الكامل والإفصاح الواضح والدوري وإتاحة الوصول إلى المعلومات المتعلقة بأنشطة الوقف المالية والإدارية لجميع أصحاب المصلحة الشرعيين. وهي وسيلة لتحقيق المساءلة والعدالة والثقة بين الناظر وجميع المعنيين بشؤون الوقف.
تمتد دائرة أصحاب المصلحة إلى:
إعداد تقارير دورية عن الإيرادات والمصروفات، وتدقيقها عبر مراجع خارجي للأوقاف المتوسطة والكبيرة، مع حفظ سجلات ومعاملات قابلة للمراجعة في أي وقت، واعتماد نظم محاسبية وتوثيقية حديثة.
إبلاغ المستحقين بحقوقهم وأنصبتهم ومواعيد وآليات الصرف، وإتاحة الاطلاع على البيانات ذات الصلة، واستقبال الشكاوى والاستفسارات ومعالجتها ضمن أطر زمنية معلنة.
الإفصاح الكامل عن أي مصلحة شخصية للناظر أو أقاربه قد تتعارض مع مصلحة الوقف، والامتناع عن المشاركة في القرار المتعلق بها، مع وجود سياسة مكتوبة لإدارة التعارضات وآليات الإبلاغ عنها.
وضع دليل حوكمة داخلي يحدّد سياسات الإفصاح والشفافية، ومسارات اتخاذ القرار، والاختصاصات، وقنوات التواصل؛ بما يعزز الشفافية الداخلية ويحمي الإدارة من اتهامات المحاباة أو سوء التدبير.
الشفافية في إدارة الوقف ضرورة شرعية واستراتيجية لضمان الاستدامة وتحقيق المقاصد. هي تعزّز الثقة والمساءلة، وتحدّ من مخاطر الاستغلال والفساد، وتزيد من جاذبية الوقف كأداة للبذل والتنمية.
إن مسار الشفافية متدرّج ويتطلّب إرادة مشتركة من النظار والواقفين والجهات الرقابية. وهي ليست خيارًا إداريًا إضافيًا، بل شرط جوهري لبقاء الأوقاف واستمرار أثرها؛ وكل جهدٍ يُستثمر اليوم في ترسيخها هو استثمار مباشر في ثقة المجتمع وعدالة وفاعلية مؤسساته الوقفية.
(يُوصى باستكمال بيانات النشر والتواريخ وفق دليل التوثيق المعتمد)
جميع الحقوق محفوظة ©
د. محمد عيدروس باروم
يسمح بالنشر مع الإشارة إلى المصدر واسم المؤلف
تعليقات
إرسال تعليق