صورة
العلاقة بين المحاسب القانوني وناظر الوقف ووكيله: بين الضوابط النظامية والحدود المهنية | د. محمد عيدروس باروم العلاقة بين المحاسب القانوني وناظر الوقف ووكيله بين الضوابط النظامية والحدود المهنية إعداد: د. محمد عيدروس باروم · 2025-11-02 تخضع العلاقة بين المحاسب القانوني وناظر الوقف (أو وكيله) لإطار نظامي وأخلاقي صارم، يجمع بين واجب التعاون لتحقيق الشفافية ومبدأ الاستقلالية لضمان النزاهة. إنها «ثقة مُنظَّمة» تحمي الأموال الوقفية كأمانة في عنق الناظر والمحاسب معًا. علاقة حوكمة متوازنة بين المراجع القانوني، ناظر الوقف، والهيئة العامة للأوقاف. الأساس النظامي والمهني للعلاقة الإطار التعاقدي والتراخيص تقوم العلاقة على عقد مراجعة أو تكليف مهني، ووفق نظام مهنة المحاسبة والمراجعة (م/59) لا تُزاوَل المهنة إلا بترخيص. تعيين محاسب قانوني مرخّص يشكل خط...
التحليل المالي الشرعي التطبيقي للسلفة النثرية (5٪) في الأوقاف ذات النفقات التشغيلية المعدومة | د. محمد عيدروس باروم

التحليل المالي الشرعي التطبيقي للسلفة النثرية (5٪) في الأوقاف ذات النفقات التشغيلية المعدومة

الملخص التنفيذي

تسعى هذه الورقة إلى تحليل السلفة النثرية (بنسبة 5٪ من الغلة) في الأوقاف التي تخلو من النفقات التشغيلية بسبب تحمّل المستأجرين كامل أعمال الصيانة عبر عقود إيجار شاملة. وتخلص الورقة إلى أن الأصل الشرعي والنظامي يقتضي عدم جواز الصرف عند زوال علته، وتوصي بتحويل هذه الأموال نحو مسارات استثمارية تحقق مقاصد الوقف وتحافظ على المال العام.

أصل إجرائي حاكم: تُمنح السلفة عند تحقق الحاجة فقط، وتُوقف تلقائيًا بزوالها، وتُسوّى بوثائق مثبتة، وإلا عادت إلى ريع الوقف.

المقدمة

تُعدّ السلفة النثرية في الأوقاف بندًا تشغيليًا تقليديًا أُسِّس لتمكين الناظر من مواجهة المصروفات الطارئة وأعمال الصيانة البسيطة دون الحاجة للرجوع إلى القضاء في كل أمر جزئي. وقد اعتادت المحاكم الشرعية في المملكة على تحديد نسبتها بـ (5٪) من الغلة السنوية في العديد من الصكوك الوقفية.

غير أن التطور الحديث في نماذج إدارة العقارات الوقفية – ولا سيما العقود الشاملة التي يتحمل فيها المستأجر جميع تكاليف الصيانة والتشغيل – أفرز واقعًا ماليًا جديدًا يدعو إلى إعادة النظر في مشروعية وملاءمة استمرار صرف هذه السلفة في ظل انعدام الموجب الشرعي أو النظامي، وذلك لزوال العلة الأصلية التي شرعت من أجلها.

أولاً: التأصيل الشرعي وعلّة السلفة

يستند الأصل في مشروعية السلفة إلى الحديث النبوي الشريف:

«لا جُنَاحَ علَى مَن وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ منها بالمَعروفِ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غيرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ. »
الراوي: عبدالله بن عمر | المحدث: مسلم | المصدر: صحيح مسلم (1632)
التخريج: أخرجه البخاري (2737)، ومسلم (1632)، وفي رواية أخرى: مسلم (1633).

وقد دلّ الحديث على أن الأصل في تصرف الناظر هو الأمانة والاحتساب، لا الاستحقاق الذاتي، مما يوجب ضبط التصرف بالعرف المالي المشروع.

واستنبط الفقهاء من عبارة «بالمعروف» قاعدة عامة مفادها أن الناظر لا يجوز له أن يأخذ من مال الوقف إلا بقدر الحاجة الفعلية وفي الإطار الذي يحقق مصلحة الوقف لا مصلحته الشخصية. وعليه، فإن العلة الشرعية للسلفة هي وجود نفقات تشغيلية عاجلة تستلزم الحفاظ على الأصل واستمرار منفعته.

قاعدة أصولية: الحكم يدور مع علته وجودًا وعدماً؛ فبانعدام النفقات التشغيلية تنعدم مشروعية الصرف.

السلفة ليست مكافأة ثابتة للناظر، بل أداة تمويلية مؤقتة تُصرف وفق الحاجة ثم تُسوّى محاسبيًا بناءً على فواتير موثقة.

ثانيًا: التحليل المالي التطبيقي للحالة

توضّح هذه الدراسة الأثر المالي والشرعي المباشر للسلفة على موازنة الوقف ومدى اتساقها مع قواعد الصرف الشرعي. لنفترض غلة سنوية مقدارها (5,500,000) ريال، ونصًا في الصك على سلفة (5٪) قدرها (275,000) ريال، مع عقود شاملة يتحمل فيها المستأجر الصيانة والتشغيل؛ عندئذٍ تنتفي العلة الشرعية والمالية الموجبة للصرف.

خلاصة تطبيقية: تتحول السلفة إلى مبلغ بغير موجب شرعي أو نظامي للصرف، ويُعد صرفها مخالفة لضابط «الإنفاق بالمعروف» لتجاوز حدود الحاجة وانفصالها عن غاية صيانة الوقف.

وبما أنّ النظام المالي يشترط لإثبات الصرف مستندات رسمية معتمدة، فإن عدم وجود نفقة فعلية يجعل السلفة عهدة مستردة تُقفل محاسبيًا في نهاية السنة، ويُحظر ترحيلها أو صرفها دون موجب.

مخاطر الاستمرار في الصرف دون حاجة:
  • تبديد المال الوقفي.
  • مخالفة شرعية لضابط المعروف.
  • مخالفة نظامية لمبدأ الإثبات المحاسبي والشفافية.

ثالثًا: علاقة السلفة بأجرة الناظر

يقع خلطٌ بين السلفة التشغيلية وأجرة النظارة. الأجرة مقابل العمل الإداري والرقابي، أمّا السلفة فلتغطية نفقات الوقف التشغيلية (إصلاحات ومستلزمات). وجود أجر للناظر لا يبرر استمرار صرف السلفة إذا انتفت الحاجة؛ إذ إن السلفة حقٌّ للوقف وليست للناظر، وتخصيصها دون مصروف فعلي يُعد تعديًا على مال الوقف.

رابعًا: البدائل الشرعية لتوظيف المبلغ

عند توقف السلفة، يمكن إعادة توجيه المبالغ وفق الضوابط التي تراعي مقاصد الوقف واستدامة أثره:

  • إعادة التوزيع على المستحقين: البدء بالمذكورين في نص الوقفية، وتقديم الأكثر حاجة وفق دراسة اجتماعية موثقة، مع توثيق الصرف واعتماده رقابيًا.
  • إعادة الاستثمار: توجيه المبلغ لمشروع وقفي جديد يحقق عائدًا إضافيًا.
  • تحسين الوقف الحالي: تمويل أعمال تطويرية ترفع القيمة السوقية والدخل الإيجاري.
  • إنشاء صندوق احتياطي: للطوارئ وفترات انخفاض الإيراد.
مقصد نمائي: تتحقق غاية نماء المال واستدامة النفع، وهو من أعظم مقاصد الشريعة في المال العام.

خامسًا: الخلاصة والتوصيات

النتيجة الشرعية: مع عقود شاملة تُسقط النفقات التشغيلية، يصبح صرف السلفة غير جائز لانعدام العلة، ولا يجوز تحميل الوقف مصروفًا غير موجود.

النتيجة النظامية: صرف السلفة دون مصروفات مثبتة يمثل مخالفة مالية تستوجب الرد والمساءلة وفق اللائحة التنفيذية.

توصيات عملية مختصرة:
  • مراجعة الصكوك وتعديل بنود السلفة وربطها بوجود نفقات فعلية.
  • اعتماد مبدأ «السلفة عند الطلب» وفق ميزانية تشغيلية معتمدة.
  • تسوية العهدة خلال 30 يومًا من نهاية السنة المالية بوثائق رسمية ومراجعة خارجية.
  • عند عدم وجود مصروفات: إعادة توزيع المبلغ على المستحقين كأولوية أولى.
«وحيث شُرعت السلفة النثرية لِعِلّة مواجهة النفقات العاجلة، فإن عقود الإيجار الشاملة التي تُسقط تلك النفقات تُسقط معها موجب الصرف، ويُعد استمرارها تصرفًا بغير وجه حق، وتُقفل العهدة وفق الأصول الرقابية المعتمدة.»

تمثل السلفة النثرية وسيلة تشغيلية مؤقتة لا تتحول إلى حق دائم، وحكمها مرتبط بوجود الحاجة التي شرعت من أجلها. ومع زوال النفقات التشغيلية، يجب إيقاف صرفها وتحويلها إلى مسار يستفيد منه المستحقون مباشرة، تحقيقًا لمقاصد الواقفين وتعظيم النفع العام.

إعداد: د. محمد عيدروس باروم — باحث في الحوكمة والقيادة والاستراتيجية والوقف — حاصل على إجازة علمية موسعة في أحكام الوقف (المدينة المنورة 1441هـ).

المراجع

  • ابن قدامة، المغني، ج6، ص239.
  • القرافي، الفروق، فصل في تقدير الحاجة.
  • الزيلعي، تبيين الحقائق، ج4، ص202.
  • اللائحة التنفيذية لنظام الأوقاف السعودي، المادة (22/1).
  • د. محمد المختار الشنقيطي، فقه النوازل الوقفية، مجلة الأوقاف الكويتية، العدد 45، 2018م.
  • الهيئة العامة للأوقاف، دليل الحوكمة الوقفية، 2022م.

ملحق: نموذج سياسة السلفة النثرية للوقف

بند السلفة النثرية: تُرصد بحد أقصى (5٪) من الغلة عند وجود نفقات تشغيلية مُثبتة تخص الوقف، وتُمنح عند الطلب وفق ميزانية مُعتمدة، وتُسوّى خلال 30 يومًا من نهاية السنة المالية بمستندات رسمية ومراجعة خارجية. وتُوقف السلفة تلقائيًا إذا تحمل المستأجر نفقات التشغيل بعقد شامل أو انتفت الحاجة. تخضع هذه السياسة لمراجعة دورية من الجهة المشرفة على الوقف أو الهيئة العامة للأوقاف لضمان الالتزام بالضوابط الشرعية والمالية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة